الثقافةعالم القصه

حياة الريس

تونس

من ادب الرسائل
نص حياة الرايس . تونس

كلمّا تدثرت بالسفر
يعرّيني الحنين …

ها أنا أعود إلى تونس بدونك …
أوّل مساء أقضيه بعيدة عنك بعد سفري …
أسحب كرسيا و اجلس في الشرفة الشرقية التي تطل على الحديقة ،ذلك المكان الذي تحبّه و الذي طالما جلسنا فيه معا ….
كان الوقت غروبا و كانت الشمس تتباطأ في لمّ أشّعتها و الرحيل لا تريد أن تفارق النهار بسرعة
و أنا كيف فارقتك بتلك السرعة ؟
مازال عتابك يرّن معذبا في أذني :
” ببساطة ترحلين و بصعوبة تعودين ”
أذكر أيضا أنك كتبت لي في إ إحدى رسائلك :
” …………ألان منتصف الليل أستمع إلى رخماتوف …أرى عينيك …. و هما أجمل ما رأيت في هذا النهار…. غدا صباحا أتّصل بك ….اشتقت إلى سماع صوتك … أنت يا من لا تشتاقين إلى شئ …..”
هكذا ختمت رسالتك
أطوي ورقات الرسالة ،أعيدها لظرفها
أبتسم !…
أصحيح أنني لا أشتاق إلـى شيء ؟
أم أنني أمتحن بك الإخلاص ؟ وأكذب بك ذلك المثل الفرنسي القائل ” بعيد عن العين بعيد عن القلب ” ألست أنت القائل في كتابك “عين السحاب ” :
” ….نسافر لنبلغ الذين نحبهم أننا لا نزال نحبهم وأن البعد لا يقوى على دهشتنا و أن المنافي لذيذة وطازجة كالأوطان ‘ نسافر ليكون الوداع مليئا بالوعود ….”
بين طائرة و طائرة أحاول عبثا حفر هوة لأردم بها حبا لا أريده أن يعيش على أسلاك الكهرباء …وانتظار رنين الهواتف
وإذا كان الفلاسفة قد اكتشفوا أن الإنسان إنما خلق اللغة ليخفي بها مشاعره فالإنسان أيضا قد اخترع السفر للهرب من مشاعره ….
و لكن ها أنني كلما تدثرت بالسفر يعرّيني الحنين …
من قال أننا نسافر لننسى ؟
في السفر نحمل معنا حقائبنا ووجوه من نحبّ تندسّ خلسة بين طيّات ثيابنا ….
وها أنا أراك في كلَ فستان ألبسه …وفي رائحة كلّ قميص …
فكل سفر و أنت حبيبي !

نص حياة الرايس
تونس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق