شعر فصحى

كراسيا العوض

أنا أعتذر
لم أستطع أن أفتق جلدي
لأُخرج سجناءه إلى الهواء
و لا أن أصنع له أزراراً من دهشة
لأخبىء فيه طعام العصافير
تركته كما هو
شجرة صبارة قلقة
تقص على ردائها السميك الحكايا
تحفظ أسرار الليل
و تحلم بالماء الذي تمتلىء به..
أعتذر
لا أنا استطعت أن أثقب نوافذَ في جسدي
لأطلق سراح الصرخات المرتجفة
ولا هي تجرأت على ارتكاب الأجنحة
فتركته كما هو
مقصلة بلا شفاه
تلتبس عليها الوجوه
فتنسى فمها فاغراً
مذعورة من ذنوبي
……

إنهم يدبون كالنمل في رأسي
و أحياناً كفيَلة ضخمة تخفق فيه بأرجلها العريضة
و أنا أصرخ من الصداع.

كأقدام كثيرة
تطرق ذهاباً و إياباً
ثم يجلسون لتناول الشاي الساخن
و أنا أظن أن حرارتي مرتفعة.

ينامون قليلاً و يستيقظون
ليس قبل أن ينهضوا إلى الحمّام مراراً أثناء نومهم
خلف مائهم الأصفر
بينما كنت أعتقد بأنني أتصبب عرقاً.

يتنزهون في رأسي
يأكلون و يشربون
يقيمون أفراحهم
و ينصبون خيم عزائهم
يولدون و يلدون
يتكاثرون
و يكثرون من ضجيجهم
حتى أحسبني المجنونة
التي تنهض على عجل
و تقفز من هدوئها
إلى النافذة
إلى الباب
إلى الشارع
و ليس في الشارع سوى أقدامهم
السائرة كأرتال نمل أو ربما كمجموعة فيَلة
خلف جنازتي دوني.
……
أعلم جيّداً
أنَّ النّافذة التي رسمتُ على دفتري
لا تطلّ على أي بحر
فيما عدا بحر الشِّعر
و أعرف أن بحور الشِّعر
لا أسماك فيها
فيما عدا بعض الأحلام العالقة
في صنارة صياد جائع
كان كلما اكتشف أنه اصطاد وهماً
عاد مسرعاً يلقي خيبته تحت النّافذة،
تلك التي رسمت على دفتري
….
خلف النّافذة
ثمّة امرأة مبتورة الذّراع
تظنُّ دائماً أنها افردويت
و أن صيادَ الأحلام ذاته
سيعثر على ذراعها يوماً
و سيعيده إليها
لترفع به ثوبها عن ساقيّها
ربما
أو لتحمل سيفاً
أو ترساً
أو ربما
لتفتح النافذة
تلك التي رسمت على دفتري..

عاد الصّياد إلى مائدته الفارغة
و عادت افردويت إلى دموعها خلف السّتائر وحيدة.

أما أنا فكنت أعلم جيّداً
أن النّافذة التي رسمت
لم تكن تطلُّ إلا على عتمة الحبر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق