لطالما كان هادئ الطباع صامد الخطوات وكأنه أبو الهول لا تهزه رياح ولا تكسره الصدمات، إلا أنه الآن أصبح إن مشى تعثرت خطاه، فلم يعد ذلك الشخص الوقور الحنون، فاليوم له مشكلة مع الجيران والأمس كانت له قضية مع السكان، نظر بعينيه الغاضبتين إلى الشرفة فلاح له أبو الهول صامدا كصابرة.
بحث عن ولاعته ليشعل بها سيجارة، وتمنى بينه وبين نفسه أن يحرق البيت والأثاث وابنة الجيران صابرة، هي جارته التي كانت حلم حياته، أحبها بمراهقته ووعدها بشبابه وخطبها برجولته وأقفل عليها بالمفتاح ومنع عنها كل سكان العمارة إلى حين أن يجمع لها المهر وثمن الطرحة والفستان، شهد عليه أبو الهول وخفرع وخوفو خطواته ما بين أسفل وسطح العمارة ملبيا طلبات سكانها، لا يئن ولا يشكي إلا لصابرة.
فهي دائما تنتظره أسفل العمارة تجدد له العهد أنها معه صامدة، إلا أنها قد تجاوزت الثلاثين وليس على حجرها طفل رضيع بعد، وهو لم يتجاوز خدمة أهل العمارة ليجمع مهراً لها، فأخذتها السنوات واختفت بين المارة.
ليستيقظ ذات يوم دون أن يجد صابرة، نادى عليها وسأل عنها الأهرام، فلم تجبْه إلا رسالة تركتها له صابرة تودعه بها، ولم تعد تنتظره أسفل العمارة!
صعد إلى أعلى العمارة بخطوات حائرة تتساءل عن صابرة وعن شهادة دراسته التي اجتهد بالحصول عليها كي يكون من رواد العمارة لا حارسا عليها، وصل إلى سطح العمارة فسمع صوت صابرة تناديه من أسفل العمارة، أحس بجناحين لديه وأنه يريد الطيران فوق رؤوس المارة، فطار من فوق العمارة ولم ينسَ أن يحيّيَ الأهرام ويبعث لهم إشارة أنّه سيهوي أسفل العمارة، ويُحكى أن المارة حتى الآن لا زالوا يرونه يدور حول العمارة يبحث عن صابرة بينهم!